هاذم اللذات الموت
قال الله جل وعلا : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ . وقال سبحانه : أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ . الموت : مهلك العباد ، مُوحش البلاد ، ميتم الأولاد ، ومذل الجبابرة الشّداد . كل ابن أنثى وإن طالت سلامته / يوما على آلة حدباء محمولُ . الموت : لا يرحم صغيراً ، ولا يوقر كبيراً ، ولا يخاف عظيماً ، لا يستأذن على الملوك ، ولا يدخل من الأبواب . تزود من الدنيا فإنك لا تدري / إذا جن ليل هل تبقى إلى الفجر . الموت : المـوتُ بابٌ وكل الناس داخله / فليت شعري بعد الموت ما الدار * الدار جنات خلدٍ إن عملت بما / يرضي الإله وإن خالفت فالنار . يموت الصالحون ، ويموت الطالحون ، ويموت المجاهدون ، ويموت القاعدون ، يموت مريدو الآخرة ، ويموت مريدو الدنيا . هو المـوتُ مـا مِنـهُ مـلاذٌ ومهـربٌ / متى حٌط ذا عن نعشِه ذاكَ يُركبُ . قال الحسن البصري رحمه الله : فضح الموت الدنيا ، فلم يترك لذي لب فرحاً . وقال سفيان الثوري رحمه الله : لو أن البهائم تعقل من الموت ما تعقلون ، ما أكلتم منها سميناً . وقال إبراهيم التيمي رحمه الله : شيئان قطعا عني لذة الدنيا : ذكر الموت وذكر الموقف بين يدي الله تعالى . ونظر ابن مطيع ذات يوم إلى داره فأعجبه حسنها ، فبكى وقال : والله لو لا الموت لكنت بكِ مسروراً . ولو أنا إذا متنا تركنا / لكان الموت راحة كل حيٍ * ولكنا إذا متنا بعثنا / ونسأل حينها عن كل شيءٍ .إنه جدير بمن الموت مصرعُه ، والتراب مضجعه ، والدود أنيسه ، ومنكر ونكير جليسه ، والقبر مقره ، وبطن الأرض مستقره ، والقيامة موعده ، والجنة أو النار داره ، أنْ لا يكون له فكر إلا في الموت ، ولا ذكر إلا للموت ، ولا استعداد إلا لأجله ، ولا تدبير إلا فيه ، ولا تطلع إلا إليه ، ولا تأهب إلا له . معاشر المؤمنين : لقد دعانا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإكثار من ذكر الموت ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ، يَعْنِي الْمَوْتَ . رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه وزاد : فَإِنَّهُ مَا ذَكَرُهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ إلا وَسَّعَهُ اللَّهُ ، وَلا ذَكَرُهُ فِي سَعَةٍ إلا ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ . لأن في الإكثار من ذكره زهد في الدنيا ، ورغبة في الآخرة ، وإقبال على الله جل وعلا . وَقَالَ أبو حامد اللَّفَّافُ رحمه الله : مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ أُكْرِمَ بِثَلَاثٍ : تَعْجِيلِ التَّوْبَةِ ، وَقَنَاعَةِ الْقَلْبِ ، وَنَشَاطِ الْعِبَادَةِ ، وَمَنْ نَسِيَهُ عُوقِبَ بِثَلَاثٍ : تَسْوِيفِ التَّوْبَةِ ، وَتَرْكِ الرِّضَا بِالْكَفَافِ ، وَالتَّكَاسُلِ فِي الْعِبَادَةِ ، فَتَفَكَّرْ يَا مَغْرُورُ فِي الْمَوْتِ وَسَكْرَتِهِ ، وَصُعُوبَةِ كَأْسِهِ وَمَرَارَتِهِ ، فَيَا لِلْمَوْتِ مِنْ وَعْدٍ مَا أَصْدَقَهُ ، وَمِنْ حُكْمٍ مَا أَعْدَلَهُ ، فَكَفَى بِالْمَوْتِ مُفْزِعًا لِلْقُلُوبِ ، وَمُبْكِيًا لِلْعُيُونِ ، وَمُفَرِّقًا لِلْجَمَاعَاتِ ، وَهَاذِمًا لِلَّذَّاتِ ، وَقَاطِعًا لِلْأُمْنِيَاتِ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا ، فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ . رواه ابن ماجه . وفي رواية لأحمد : فَإِنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ ، فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا . قال العلماء : تذكر الموت يردع عن المعاصي ، ويلين القلب القاسي ، ويذهب الفرح بالدنيا ، ويهون المصائب فيها . قَالَ أبو الدرداء رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : من أكثر ذكر الموت قلَّ فرحه وقلَّ حسده . وقال سعيد ابن جبير رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : لو فارق ذكر الموت قلبي ، لخشيت أن يفسد عليَّ قلبي . قال الإمام الأوزاعي رحمه الله : من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير ، ومن عرف أن منطقه من عمله قل كلامه . وقال ثابت البناني رحمه الله : ما أكثر أحد ذكر الموت إلا رؤي ذلك في عمله . وقال ابن عجلان رحمه الله : من جعل الموت نصب عينيه ، لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها . وقال إبراهيم التيمي رحمه الله : ذكر الموت غنى . وقال الحسن البصري رحمه الله : من أطال الأمل أساء العمل . وقال بعضهم : من ذكر الموت هانت عليه الدنيا . فاتقوا الله أيها المسلمون : وتزودوا من الأعمال الصالحة قبل هجوم هاذم اللذات ومفرق الجماعات .
اتقوا الله أيها المسلمون ، واستعدوا لما أمامكم بالأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله تبارك وتعالى ، فإن الإنسان لا يدري متى يفاجئه الموت . قال الله جل وعلا : حَتَّى إِذَا جَا أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ، كَلَّا ، إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ . متفق عليه . قال رجل يوصي آخر : يا أخي ، احذر الموت في هذه الدار ، من قبل أن تصير إلى دار تتمنى بها الموت فلا تجده . وقال محمد ابن السماك رحمه الله : إن الموتى لم يبكوا من الموت ، ولكنهم يبكون من حسرة الفوت ، فاتتهم والله دار لم يتزودوا منها ، ودخلوا داراً لم يتزودوا لها . وقال إبراهيم النخعي رحمه الله : كانوا يشهدون الجنازة فيُرى ذلك أياماً كأن فيهم الفكرة في الموت وفي حال الميت . ولذلك لما علم أهل الفضل بأن الموت قريب وأنه آتٍ ، عملوا لذلك واستعدوا له قبل وقوعه . إن لله عباداً فطنا / طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا . نظروا إليها فلما علموا / أنها ليست لحي وطنا . جعلوها لجة واتخذوا / صالح الأعمال فيها سفنا . وبمثل هذا أوصى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ : كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ، وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري . فرحم الله امرءاً أخذ من نفسه لنفسه ، وتأهب للرحيل قبل غروب شمسه . وَعَن الْبَرَاءِ ابْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَبْصَرَ جَمَاعَةً فَقَالَ : عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ ، قِيلَ : عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونَهُ ، قَالَ : فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ مُسْرِعًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ ، فَجَثَا عَلَيْهِ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى مِنْ دُمُوعِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ : أَيْ إِخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا ، أَيْ تَأَهَّبُوا . رواه الإمام أحمد . قال الله جل وعلا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .
قال الله جل وعلا : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ . وقال سبحانه : أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ . الموت : مهلك العباد ، مُوحش البلاد ، ميتم الأولاد ، ومذل الجبابرة الشّداد . كل ابن أنثى وإن طالت سلامته / يوما على آلة حدباء محمولُ . الموت : لا يرحم صغيراً ، ولا يوقر كبيراً ، ولا يخاف عظيماً ، لا يستأذن على الملوك ، ولا يدخل من الأبواب . تزود من الدنيا فإنك لا تدري / إذا جن ليل هل تبقى إلى الفجر . الموت : المـوتُ بابٌ وكل الناس داخله / فليت شعري بعد الموت ما الدار * الدار جنات خلدٍ إن عملت بما / يرضي الإله وإن خالفت فالنار . يموت الصالحون ، ويموت الطالحون ، ويموت المجاهدون ، ويموت القاعدون ، يموت مريدو الآخرة ، ويموت مريدو الدنيا . هو المـوتُ مـا مِنـهُ مـلاذٌ ومهـربٌ / متى حٌط ذا عن نعشِه ذاكَ يُركبُ . قال الحسن البصري رحمه الله : فضح الموت الدنيا ، فلم يترك لذي لب فرحاً . وقال سفيان الثوري رحمه الله : لو أن البهائم تعقل من الموت ما تعقلون ، ما أكلتم منها سميناً . وقال إبراهيم التيمي رحمه الله : شيئان قطعا عني لذة الدنيا : ذكر الموت وذكر الموقف بين يدي الله تعالى . ونظر ابن مطيع ذات يوم إلى داره فأعجبه حسنها ، فبكى وقال : والله لو لا الموت لكنت بكِ مسروراً . ولو أنا إذا متنا تركنا / لكان الموت راحة كل حيٍ * ولكنا إذا متنا بعثنا / ونسأل حينها عن كل شيءٍ .إنه جدير بمن الموت مصرعُه ، والتراب مضجعه ، والدود أنيسه ، ومنكر ونكير جليسه ، والقبر مقره ، وبطن الأرض مستقره ، والقيامة موعده ، والجنة أو النار داره ، أنْ لا يكون له فكر إلا في الموت ، ولا ذكر إلا للموت ، ولا استعداد إلا لأجله ، ولا تدبير إلا فيه ، ولا تطلع إلا إليه ، ولا تأهب إلا له . معاشر المؤمنين : لقد دعانا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإكثار من ذكر الموت ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ، يَعْنِي الْمَوْتَ . رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه وزاد : فَإِنَّهُ مَا ذَكَرُهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ إلا وَسَّعَهُ اللَّهُ ، وَلا ذَكَرُهُ فِي سَعَةٍ إلا ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ . لأن في الإكثار من ذكره زهد في الدنيا ، ورغبة في الآخرة ، وإقبال على الله جل وعلا . وَقَالَ أبو حامد اللَّفَّافُ رحمه الله : مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ أُكْرِمَ بِثَلَاثٍ : تَعْجِيلِ التَّوْبَةِ ، وَقَنَاعَةِ الْقَلْبِ ، وَنَشَاطِ الْعِبَادَةِ ، وَمَنْ نَسِيَهُ عُوقِبَ بِثَلَاثٍ : تَسْوِيفِ التَّوْبَةِ ، وَتَرْكِ الرِّضَا بِالْكَفَافِ ، وَالتَّكَاسُلِ فِي الْعِبَادَةِ ، فَتَفَكَّرْ يَا مَغْرُورُ فِي الْمَوْتِ وَسَكْرَتِهِ ، وَصُعُوبَةِ كَأْسِهِ وَمَرَارَتِهِ ، فَيَا لِلْمَوْتِ مِنْ وَعْدٍ مَا أَصْدَقَهُ ، وَمِنْ حُكْمٍ مَا أَعْدَلَهُ ، فَكَفَى بِالْمَوْتِ مُفْزِعًا لِلْقُلُوبِ ، وَمُبْكِيًا لِلْعُيُونِ ، وَمُفَرِّقًا لِلْجَمَاعَاتِ ، وَهَاذِمًا لِلَّذَّاتِ ، وَقَاطِعًا لِلْأُمْنِيَاتِ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا ، فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ . رواه ابن ماجه . وفي رواية لأحمد : فَإِنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ ، فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا . قال العلماء : تذكر الموت يردع عن المعاصي ، ويلين القلب القاسي ، ويذهب الفرح بالدنيا ، ويهون المصائب فيها . قَالَ أبو الدرداء رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : من أكثر ذكر الموت قلَّ فرحه وقلَّ حسده . وقال سعيد ابن جبير رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : لو فارق ذكر الموت قلبي ، لخشيت أن يفسد عليَّ قلبي . قال الإمام الأوزاعي رحمه الله : من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير ، ومن عرف أن منطقه من عمله قل كلامه . وقال ثابت البناني رحمه الله : ما أكثر أحد ذكر الموت إلا رؤي ذلك في عمله . وقال ابن عجلان رحمه الله : من جعل الموت نصب عينيه ، لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها . وقال إبراهيم التيمي رحمه الله : ذكر الموت غنى . وقال الحسن البصري رحمه الله : من أطال الأمل أساء العمل . وقال بعضهم : من ذكر الموت هانت عليه الدنيا . فاتقوا الله أيها المسلمون : وتزودوا من الأعمال الصالحة قبل هجوم هاذم اللذات ومفرق الجماعات .
اتقوا الله أيها المسلمون ، واستعدوا لما أمامكم بالأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله تبارك وتعالى ، فإن الإنسان لا يدري متى يفاجئه الموت . قال الله جل وعلا : حَتَّى إِذَا جَا أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ، كَلَّا ، إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ . متفق عليه . قال رجل يوصي آخر : يا أخي ، احذر الموت في هذه الدار ، من قبل أن تصير إلى دار تتمنى بها الموت فلا تجده . وقال محمد ابن السماك رحمه الله : إن الموتى لم يبكوا من الموت ، ولكنهم يبكون من حسرة الفوت ، فاتتهم والله دار لم يتزودوا منها ، ودخلوا داراً لم يتزودوا لها . وقال إبراهيم النخعي رحمه الله : كانوا يشهدون الجنازة فيُرى ذلك أياماً كأن فيهم الفكرة في الموت وفي حال الميت . ولذلك لما علم أهل الفضل بأن الموت قريب وأنه آتٍ ، عملوا لذلك واستعدوا له قبل وقوعه . إن لله عباداً فطنا / طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا . نظروا إليها فلما علموا / أنها ليست لحي وطنا . جعلوها لجة واتخذوا / صالح الأعمال فيها سفنا . وبمثل هذا أوصى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ : كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ، وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري . فرحم الله امرءاً أخذ من نفسه لنفسه ، وتأهب للرحيل قبل غروب شمسه . وَعَن الْبَرَاءِ ابْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَبْصَرَ جَمَاعَةً فَقَالَ : عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ ، قِيلَ : عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونَهُ ، قَالَ : فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ مُسْرِعًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ ، فَجَثَا عَلَيْهِ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى مِنْ دُمُوعِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ : أَيْ إِخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا ، أَيْ تَأَهَّبُوا . رواه الإمام أحمد . قال الله جل وعلا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .