تغلي القلوب في الصدور كما تغلي القدور في مراجلها , حبا وكرها , إقبالا وإعراضا , رقة وغلظة , رضا وسخطا , قناعة وطمعا , طمأنينة وترددا ..
والمرء في ساعاته التي تمر عليه , أسير ذاك الغليان , ووقيع تلك التقلبات , فهو يسير خلف قلبه , وقلبه يقوده أينما حل .
وقلب المرء ربما كان حكيما عاقلا نبيها فيستقر به إلى الهدى ويسير به نحو النور , أو يكون ماجنا غافلا غبيا فيهوى به في غمار التيه الدنيوي المظلم , فتمر به ساعات عمره من سقطة إلى أخرى ومن عثرة إلى غيرها ..
وقد أمر الله سبحانه بتطهير القلب وتزكيته وتخليصه من شوائبه وأمراضه وفي قوله تعالى " وثيابك فطهر" : قال جمهور المفسرين أن المراد بالثياب هنا هو القلب , بل قال سبحانه عن الفاسدين والمبعدين عن رحمته وفضله " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب أليم " , فجعل عدم تطهير تلك القلوب من أهم الأسباب الموجبة للعذاب , قال صلى الله عليه وسلم "ألا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ " رواه البخاري ومسلم
وقال الله سبحانه : " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ " فقدم التزكية على التعليم من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إليها , فالأصل هو: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد , وقد علمنا الشرع الحنيف أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خرج من قلب سليم فقال سبحانه " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " والقلب السليم هو الذي خلصت عبوديته لله سبحانه وخلص عمله له وهو السالم من كل شبهة وشهوة تخالف أمر الله وخبره سبحانه وتعالى , ومن ظن أن أشد ابتلاء العبد هو ابتلاؤه في جسده فقد أخطأ إنما هو ابتلاء القلوب قال الله سبحانه " وليبتلي الله مافي صدوركم وليمحص ما في قلوبكم وقال سبحانه " أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى "
وتفاعلات القلب دائرة في كل وقت وحين عبر صراعات تحدث في داخله بين مراداته الصالحة وطغيان أمراضه الخبيثه , فأيهما ينتصر , ولذلك فإنك قد تجد بعض الناس قد تحسن له صفة وتسوء له أخرى , بل أنه في بعض الأحيان يظهر بصورة الحليم الكريم وفي بعضها الآخر يبدو في صورة العتل الغليظ الصاخب الغضوب البخيل , وماذلك إلا لغلبة مرض القلب في بعض الأحيان على مراده الصالح , ولذلك فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نهتم بتقويم ذلك الصراع وتلك التفاعلات القلبية فقال صلى الله عليه وسلم : ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب " , وقال " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ناداه الله على رؤس الخلائق يزوجه من الحور كيف يشاء " , وعلّم أن " من ترك المراء وهو محق فله بيت في ربض الجنة " ... إلى غير ذلك .
بل في بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم قد شرح لنا وفصل جانبا من ذلك التفاعل وكأننا نشاهده رأي العين فقال في حديث حذيفة عند مسلم " تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكته سوداء وأيما قلب ردها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ماأشرب من هواه وأبيض مثل الصفا لا يضره شىء ما دامت الأرض والسماء " ..
وكل هذا التفاعلات قد نكون غائبين عنها ولا ندري ما يحدث فيها , ولكن كل امرىء أدرى بقلبه ويستطيع أن يستقصي عن حاله ويستعلم عن أخباره .
والواقع أن القلب في تفاعلاته يحتاج لما يقويه ليتغلب على أثر تلك التفاعلات الدائمة , ويقود المرء إلى ما يحب .
وأفضل ما يحتاجه القلب ابتداء ليقوى عوده ويشتد , هو التعلق بربه وحبه , والشوق له سبحانه , فتهون أمامه الدنيا والأشياء , ويرغب دوما أن يكون في مرضاة حبيبه , ويسارع في طاعاته , فتراه يشعر بلذة عبادته , والراحة في لقائه والارتباط به سبحانه , فيفهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم لبلال يأمره بالأذان : " أرحنا بها يا بلال " , ويستشعر معنى قوله صلى الله عليه وسلم " ذاق معنى الإيمان من رضي بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا " .
فيعلم قلبه عبوديته , ويربيه على الخوف والرجاء والإنابة والتوكل وصالح العبادات الخفية .
كذلك يتقوى القلب بتدريب الجوارح خطوة خطوة على ما يحب وأن تستشعر بالطاعة , فيدرب اللسان على دوام ذكر الله ويجعله يتذوق حلاوة ذاك الذكر لربه , ويدرب اليد على إخراج الصدقة وكأنها تعلقت بالصدقة وأحبتها وارتبطت بها , ويدرب القدم أن تشتاق إلى مواطن الخير والمعروف وكل جوارحه كذلك .
ثم يقويه بمحبة علوم دينه , ومعرفة سلوك نبيه وسنته والسعي لتعلمها , رغبة في الثواب والأجر وسعيا وراء درجات عاليات للعلماء , وطمأنينة للقلب , وبعدا للرعونة والجهل
وهو في كل ذلك رابط حبل قلبه بالقرآن الكريم , لا يفتر عن تدبره , ولا يبعد عن تذكره , فينير الله سبيله ويقيل الله عثرته ويرفع قدره ويهديه إلى سواء السبيل .
والمرء في ساعاته التي تمر عليه , أسير ذاك الغليان , ووقيع تلك التقلبات , فهو يسير خلف قلبه , وقلبه يقوده أينما حل .
وقلب المرء ربما كان حكيما عاقلا نبيها فيستقر به إلى الهدى ويسير به نحو النور , أو يكون ماجنا غافلا غبيا فيهوى به في غمار التيه الدنيوي المظلم , فتمر به ساعات عمره من سقطة إلى أخرى ومن عثرة إلى غيرها ..
وقد أمر الله سبحانه بتطهير القلب وتزكيته وتخليصه من شوائبه وأمراضه وفي قوله تعالى " وثيابك فطهر" : قال جمهور المفسرين أن المراد بالثياب هنا هو القلب , بل قال سبحانه عن الفاسدين والمبعدين عن رحمته وفضله " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب أليم " , فجعل عدم تطهير تلك القلوب من أهم الأسباب الموجبة للعذاب , قال صلى الله عليه وسلم "ألا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ " رواه البخاري ومسلم
وقال الله سبحانه : " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ " فقدم التزكية على التعليم من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إليها , فالأصل هو: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد , وقد علمنا الشرع الحنيف أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خرج من قلب سليم فقال سبحانه " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " والقلب السليم هو الذي خلصت عبوديته لله سبحانه وخلص عمله له وهو السالم من كل شبهة وشهوة تخالف أمر الله وخبره سبحانه وتعالى , ومن ظن أن أشد ابتلاء العبد هو ابتلاؤه في جسده فقد أخطأ إنما هو ابتلاء القلوب قال الله سبحانه " وليبتلي الله مافي صدوركم وليمحص ما في قلوبكم وقال سبحانه " أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى "
وتفاعلات القلب دائرة في كل وقت وحين عبر صراعات تحدث في داخله بين مراداته الصالحة وطغيان أمراضه الخبيثه , فأيهما ينتصر , ولذلك فإنك قد تجد بعض الناس قد تحسن له صفة وتسوء له أخرى , بل أنه في بعض الأحيان يظهر بصورة الحليم الكريم وفي بعضها الآخر يبدو في صورة العتل الغليظ الصاخب الغضوب البخيل , وماذلك إلا لغلبة مرض القلب في بعض الأحيان على مراده الصالح , ولذلك فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نهتم بتقويم ذلك الصراع وتلك التفاعلات القلبية فقال صلى الله عليه وسلم : ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب " , وقال " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ناداه الله على رؤس الخلائق يزوجه من الحور كيف يشاء " , وعلّم أن " من ترك المراء وهو محق فله بيت في ربض الجنة " ... إلى غير ذلك .
بل في بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم قد شرح لنا وفصل جانبا من ذلك التفاعل وكأننا نشاهده رأي العين فقال في حديث حذيفة عند مسلم " تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكته سوداء وأيما قلب ردها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ماأشرب من هواه وأبيض مثل الصفا لا يضره شىء ما دامت الأرض والسماء " ..
وكل هذا التفاعلات قد نكون غائبين عنها ولا ندري ما يحدث فيها , ولكن كل امرىء أدرى بقلبه ويستطيع أن يستقصي عن حاله ويستعلم عن أخباره .
والواقع أن القلب في تفاعلاته يحتاج لما يقويه ليتغلب على أثر تلك التفاعلات الدائمة , ويقود المرء إلى ما يحب .
وأفضل ما يحتاجه القلب ابتداء ليقوى عوده ويشتد , هو التعلق بربه وحبه , والشوق له سبحانه , فتهون أمامه الدنيا والأشياء , ويرغب دوما أن يكون في مرضاة حبيبه , ويسارع في طاعاته , فتراه يشعر بلذة عبادته , والراحة في لقائه والارتباط به سبحانه , فيفهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم لبلال يأمره بالأذان : " أرحنا بها يا بلال " , ويستشعر معنى قوله صلى الله عليه وسلم " ذاق معنى الإيمان من رضي بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا " .
فيعلم قلبه عبوديته , ويربيه على الخوف والرجاء والإنابة والتوكل وصالح العبادات الخفية .
كذلك يتقوى القلب بتدريب الجوارح خطوة خطوة على ما يحب وأن تستشعر بالطاعة , فيدرب اللسان على دوام ذكر الله ويجعله يتذوق حلاوة ذاك الذكر لربه , ويدرب اليد على إخراج الصدقة وكأنها تعلقت بالصدقة وأحبتها وارتبطت بها , ويدرب القدم أن تشتاق إلى مواطن الخير والمعروف وكل جوارحه كذلك .
ثم يقويه بمحبة علوم دينه , ومعرفة سلوك نبيه وسنته والسعي لتعلمها , رغبة في الثواب والأجر وسعيا وراء درجات عاليات للعلماء , وطمأنينة للقلب , وبعدا للرعونة والجهل
وهو في كل ذلك رابط حبل قلبه بالقرآن الكريم , لا يفتر عن تدبره , ولا يبعد عن تذكره , فينير الله سبيله ويقيل الله عثرته ويرفع قدره ويهديه إلى سواء السبيل .