في ظل كثرة الأعباء، وتراكم الأعمال يحار الإنسان، وخاصة الملتزم، في كيف يصرف
أمره، وكيف ينظم وقته، وفي نفس الوقت كيف يدبر شئون معاشه وحياته اليومية دون أن
يؤثر أي منهم على الآخر.. وغاب عن الكثيرين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكذلك السلف الصالح، كانوا يقومون الليل ويصلون يزكون، ويحجون بل ويجاهدون ويغزون،
وفي الوقت نفسه كان منهم من التاجر والمعلم وطالب العلم، ولبناء والنحات وغير ذلك
من المهن، فكيف نوازن إذا بين العمل والعبادة بل الدنيا والآخرة، بين العمل للدنيا
والعمل للجنة؟ هذا ما يجيب عنه عدد من خطباء الجمعة (20 من ذي الحجة 1426 هـ) في
عدد من الدول العربية.
إنذار وتحذير
مما لا شك فيه أن هذا الأمر يمثل لكثيرين معضلة، ولكن
وقبل أن نطرح الحلول فلابد وأن نؤكد على أن الأمر جد عظيم، وأنه لا يتحمل التهاون
فيه، فربنا سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ
أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَّفْعَلْ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) فليس السعي للرزق بحجة لترك الواجبات ولا الغفلة
عن العبادات، ولكن علينا أن نسعى للموازنة، قبل فوات الأوان، و (مِّن قَبْلِ أَن
يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ
قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)؛ لأن حينها: (وَلَن يُؤَخِّرَ
اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ).
ولذا فلابد من الانتباه، وأخذ الأمور بما تستحق من
التقدير.
توحيد المصدر
وأول خطوة على طريق علاج هذه المشكلة يوضحها لنا الشيخ
صالح بن محمد آل طالب في خطبته للجمعة في الحرم المكي، حيث يؤكد على ضرورة توحيد
المصدر والمنبع الذي نستقي منه الحلول، وطالما أن الأمر متعلق بالعبادة والعمل،
وطالما أن الله سبحانه وتعالى هو من أمرنا بالأولي وهو من يوفقنا في الثانية فلابد
وأن نبحث عن مصدر من عنده فلا وأنه هو أفضل المصادر، وسيقدم لنا أفضل الحلول،
والمصدر الموصول إلى اله سبحانه هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم القائل:
"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي.. كتاب الله وسنة"، لابد من فهم هذا
المصدر دون الخطأ فيه أن نظر لمن طبقه وأسفر معه عن نتائج هي التي نبحث نحن الآن
عنها، ولذا فمن المعين على هذه الخطوة أتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فهم قد اتبعوا هذا المنهاج وحققوا به أفضل ما يمكن أن نرنوا إليه، فرسولنا يقول: "
عليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين من يعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم
ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". ولابد من المداومة على الأخذ
من نفس النبع وإلا لسرنا على الطريق مذبذبين، فلا معنى لأن نأخذ من هذا مرة ومن
مكان آخر أخرى.
وأما عن الصفات التي تلزم المسلم حتى يضمن لنفسه الفوز
والفلاح في الدنيا والآخرة، فهي مجموعة في: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ
مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ
رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) فمن يحافظ على تلك
الأمور: ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ ).
كيف نجعل العمل عبادة؟
وإذا كان الوقت غير كاف
والأمور تتداخل، ويصعب علينا الأمر، فلابد من البحث في المصدر الذي حددناه عن طريقة
للتوفيق بين المتداخلات، ويدلنا على ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم بقول : "إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، ويؤكد لنا الشيخ إبراهيم عبد النعيم في
خطبته بمسجد الشهيد عبد المنعم رياض- الغردقة- مصر، يؤكد على أن العمل الدنيوي
والذي هو أساس وعماد النهضة، والسبب الرئيس في استمرار الحياة، من الممكن أن نحوله
إلى عبادة، ويكون هو الطريق المؤدية إلى الجنة، وهي مبتغى كل مسلم، فربنا يقول: (
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ
أَحْسَنَ عَمَلاً)، وإحسان العمل ليس بإتقانه فقط، بل لابد وقبل أن نتقنه أن يكون
عملا حلالا لا ينتج عنه ما حرمه الله، ثم وبعد ذلك أن نخلص فيه النية لله، وأن نعدد
النيات، حتى نضاعف ما نحصل عليه بسببه من حسنات. ثم استمرار فيه ومراقبة اله
فيه.
ويؤكد الشيخ إبراهيم على "أن العمل الصالح، قرين دائم
للصلاة والجهاد والحج، فهو والعبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في كفتي ميزان
متعادلتين".
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل والقدوة في
إقران العمل بالعبادة، فهو القائل ما بعث نبي قط إلا ورعى الغنم، قيل وأنت يا رسول
الله قال وأنا .. كنت أرعاه لقريش على قراريط. ثم يقرر صلى الله عليه وسلم لنا
خيرية من يأكل من عمل يده فيقول : " ما أكل أحدكم طعاما خير من أن يأكل من عمل يده،
وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".
منحة ربانية
ويشير الشيخ عدنان عبد الله القطان من على منبر مسجد
أحمد الفاتح - المنامة- البحرين، إلى أن اله يعلم أن كل منا له ذنوب ومعاصي، وأن
الله فرض علينا في هذه الدنيا أنها دار ابتلاء ومحن، فمن رحمة الله بنا وفضله
علينا، أنه جعل هذه الابتلاءات وتلك المحن من مكفرات الذنوب، ولكن إذا قرنت المصيبة
بالصبر من المسلم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من الذنوب ما لا يغفره
إلا السعي على العيال". ويقول صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن
والمؤمنة في نفسه وفي ولده وفي ماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه
خطيئة".
وعلى العلماء عبء عظيم
ويرى خطيب مسجد عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية الدوحة
أنه ومع ما للعلماء من مكانة ومنزلة واجب على كل مسلم احترامها، فإنهم ولذلك
مطالبون بإرشاد الناس إلى ما فيه خيرهم ورشادهم، وعليهم أن يكونوا رحماء علي الخلق
ومبشرين لا منفرين، وميسرين لا معسرين، ولذا فعلى العلماء أن يرشدوا الناس لما فيه
خيرهم، وفي نفس الوقت، لما يستطيعون به التوفيق بين متطلبات الدنيا، والعمل للآخرة،
وعليهم أن يستخرجوا من سنة رسول الله ما يعين الناس على ذلك.
أمره، وكيف ينظم وقته، وفي نفس الوقت كيف يدبر شئون معاشه وحياته اليومية دون أن
يؤثر أي منهم على الآخر.. وغاب عن الكثيرين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكذلك السلف الصالح، كانوا يقومون الليل ويصلون يزكون، ويحجون بل ويجاهدون ويغزون،
وفي الوقت نفسه كان منهم من التاجر والمعلم وطالب العلم، ولبناء والنحات وغير ذلك
من المهن، فكيف نوازن إذا بين العمل والعبادة بل الدنيا والآخرة، بين العمل للدنيا
والعمل للجنة؟ هذا ما يجيب عنه عدد من خطباء الجمعة (20 من ذي الحجة 1426 هـ) في
عدد من الدول العربية.
إنذار وتحذير
مما لا شك فيه أن هذا الأمر يمثل لكثيرين معضلة، ولكن
وقبل أن نطرح الحلول فلابد وأن نؤكد على أن الأمر جد عظيم، وأنه لا يتحمل التهاون
فيه، فربنا سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ
أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَّفْعَلْ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) فليس السعي للرزق بحجة لترك الواجبات ولا الغفلة
عن العبادات، ولكن علينا أن نسعى للموازنة، قبل فوات الأوان، و (مِّن قَبْلِ أَن
يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ
قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)؛ لأن حينها: (وَلَن يُؤَخِّرَ
اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ).
ولذا فلابد من الانتباه، وأخذ الأمور بما تستحق من
التقدير.
توحيد المصدر
وأول خطوة على طريق علاج هذه المشكلة يوضحها لنا الشيخ
صالح بن محمد آل طالب في خطبته للجمعة في الحرم المكي، حيث يؤكد على ضرورة توحيد
المصدر والمنبع الذي نستقي منه الحلول، وطالما أن الأمر متعلق بالعبادة والعمل،
وطالما أن الله سبحانه وتعالى هو من أمرنا بالأولي وهو من يوفقنا في الثانية فلابد
وأن نبحث عن مصدر من عنده فلا وأنه هو أفضل المصادر، وسيقدم لنا أفضل الحلول،
والمصدر الموصول إلى اله سبحانه هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم القائل:
"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي.. كتاب الله وسنة"، لابد من فهم هذا
المصدر دون الخطأ فيه أن نظر لمن طبقه وأسفر معه عن نتائج هي التي نبحث نحن الآن
عنها، ولذا فمن المعين على هذه الخطوة أتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فهم قد اتبعوا هذا المنهاج وحققوا به أفضل ما يمكن أن نرنوا إليه، فرسولنا يقول: "
عليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين من يعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم
ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". ولابد من المداومة على الأخذ
من نفس النبع وإلا لسرنا على الطريق مذبذبين، فلا معنى لأن نأخذ من هذا مرة ومن
مكان آخر أخرى.
وأما عن الصفات التي تلزم المسلم حتى يضمن لنفسه الفوز
والفلاح في الدنيا والآخرة، فهي مجموعة في: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ
مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ
رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) فمن يحافظ على تلك
الأمور: ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ ).
كيف نجعل العمل عبادة؟
والأمور تتداخل، ويصعب علينا الأمر، فلابد من البحث في المصدر الذي حددناه عن طريقة
للتوفيق بين المتداخلات، ويدلنا على ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم بقول : "إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، ويؤكد لنا الشيخ إبراهيم عبد النعيم في
خطبته بمسجد الشهيد عبد المنعم رياض- الغردقة- مصر، يؤكد على أن العمل الدنيوي
والذي هو أساس وعماد النهضة، والسبب الرئيس في استمرار الحياة، من الممكن أن نحوله
إلى عبادة، ويكون هو الطريق المؤدية إلى الجنة، وهي مبتغى كل مسلم، فربنا يقول: (
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ
أَحْسَنَ عَمَلاً)، وإحسان العمل ليس بإتقانه فقط، بل لابد وقبل أن نتقنه أن يكون
عملا حلالا لا ينتج عنه ما حرمه الله، ثم وبعد ذلك أن نخلص فيه النية لله، وأن نعدد
النيات، حتى نضاعف ما نحصل عليه بسببه من حسنات. ثم استمرار فيه ومراقبة اله
فيه.
ويؤكد الشيخ إبراهيم على "أن العمل الصالح، قرين دائم
للصلاة والجهاد والحج، فهو والعبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في كفتي ميزان
متعادلتين".
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل والقدوة في
إقران العمل بالعبادة، فهو القائل ما بعث نبي قط إلا ورعى الغنم، قيل وأنت يا رسول
الله قال وأنا .. كنت أرعاه لقريش على قراريط. ثم يقرر صلى الله عليه وسلم لنا
خيرية من يأكل من عمل يده فيقول : " ما أكل أحدكم طعاما خير من أن يأكل من عمل يده،
وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".
منحة ربانية
ويشير الشيخ عدنان عبد الله القطان من على منبر مسجد
أحمد الفاتح - المنامة- البحرين، إلى أن اله يعلم أن كل منا له ذنوب ومعاصي، وأن
الله فرض علينا في هذه الدنيا أنها دار ابتلاء ومحن، فمن رحمة الله بنا وفضله
علينا، أنه جعل هذه الابتلاءات وتلك المحن من مكفرات الذنوب، ولكن إذا قرنت المصيبة
بالصبر من المسلم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من الذنوب ما لا يغفره
إلا السعي على العيال". ويقول صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن
والمؤمنة في نفسه وفي ولده وفي ماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه
خطيئة".
وعلى العلماء عبء عظيم
ويرى خطيب مسجد عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية الدوحة
أنه ومع ما للعلماء من مكانة ومنزلة واجب على كل مسلم احترامها، فإنهم ولذلك
مطالبون بإرشاد الناس إلى ما فيه خيرهم ورشادهم، وعليهم أن يكونوا رحماء علي الخلق
ومبشرين لا منفرين، وميسرين لا معسرين، ولذا فعلى العلماء أن يرشدوا الناس لما فيه
خيرهم، وفي نفس الوقت، لما يستطيعون به التوفيق بين متطلبات الدنيا، والعمل للآخرة،
وعليهم أن يستخرجوا من سنة رسول الله ما يعين الناس على ذلك.